الذکرى الستین لعید الاستقلال والشباب (۵ جویلیه ۱۹۶۲-۵ جویلیه ۲۰۲۲) تاریخ مجید وعهد جدید
من بین ما یتخلل تاریخ الجزائر المعاصر من محطات تستوجب إحیاء ذکراها ینفرد یوم الخامس من یولیو بصبغه خاصه من حیث أنه نهایه مطاف کفاح مریر للشعب الجزائری ضد استحواذ وسیطره المستعمر على أرضه. ویحتفی الشعب الجزائری بکل فخر وإعتزاز فی الخامس من یولیو من کل سنه، ذکرى استرجاع السیاده والاستقلال الوطنیین، التی تشکل جزءا أساسیا من الهویه الوطنیه ومدرسه فکریه وطنیه لترسیم الاخلاص والوفاء لرساله الشهداء والمجاهدین الذین ضحوا بالنفس والنفیس من أجل جزائر حره ومستقله، وتصادف هذه السنه الذکرى الــ۶۰ لعید الاستقلال.
وإذ یحتفی الشعب الجزائری بهذا العید المجید، ویعود فی هذه الذکرى الستین بمشاعره إلى ذلک الموعد الأغر المُتوِّج لنضالات الشعب المریره، وکفاحه الملحمی عبر المراحل والحقب، تتداعى إلى أذهاننا تلک المثل والمبادئ الوطنیه المقدسه، التی رسّخها جیل من رواد الحرکه الوطنیه، وسار على نهجها بعزمٍ وصلابه الشهداء والمجاهدون، وهم یخوضون أتون حرب ضروس، جنّد لها الاستعمار البغیض أعتى وأضخم أسلحه التقتیل والتنکیل والتدمیر.
لم یأت استقلال الجزائر من دون ثمن باهظ، فقد استشهد من أجل صیانه سیاده هذا الوطن ۵ ملایین و۶۳۰ ألف شهید منذ ۱۸۳۰ إلى ۱۹۶۲، ثمن دفعته الأجیال واحده تلو أخرى فی مواجهه الغزو الاستعماری، ومن خلال انتفاضات متتالیه لکسر قیود الاحتلال، وکذا نضال سیاسی قوی ومستمر، نضال اصطدم بأنانیات الاستعمار الغاشم الذی رد على مطالب شعبنا بقمع وحشی، کانت أسوء مظاهره مجازر ۸ مای ۱۹۴۵٫ قصارى القول أن الإستدمار الفرنسی صیر أبناء الشعب الجزائری معذبین فی الأرض على حد تعبیر الفقید الدکتور فرانس فانون.
إن هذا المسار المتواصل لصمود الجزائریین ونضالهم فی وجه طغیان المستعمر واستغلاله أتى بثوره نوفمبر المجیده، ثوره کتبت صفحه لامعه فی الذاکره العالمیه المعاصره، وفی تاریخ کفاح الشعوب من أجل الحریه والاستقلال، ثوره قام بها شباب قرروا اختیار الاستشهاد على الحیاه تحت أقدام المحتل.
إن ثوره نوفمبر ۱۹۵۴ المظفره التی أفضت إلى استقلال الجزائر فی ۱۹۶۲ بعد ۷ سنوات من حرب ضروس، أتت بنتیجتها مقابل استشهاد ملیون ونصف الملیون من خیره أبناء الشعب الجزائری البطل وبناته، وتشرید وتهجیر الملایین من أهالیه، ودمار الآلاف من قراه وبیوته. مثلت الثوره الجزائریه المبارکه منعطفا تاریخیا مفصلیا وتحولا جوهریا فی مسار الأمه الجزائریه، بانتقالها من الخنوع إلى العزه، ومن الاستکانه إلى کسر قیود الظالمین، ومن أرض وشعب تحت السیطره الاستعماریه بمکوناتها السیاسیه والإداریه والعسکریه والثقافیه والدینیه إلى وطن حر وسید بمقوماته الحضاریه الإسلامیه والعربیه والأمازیغیه. زیاده على تحقیق الاستقلال للجزائر، ساهمت الثوره التحریریه بشکل حاسم فی تمکین العدید من الشعوب المضطهده عبر أنحاء العالم من التخلص من براثن الاستعمار والتمییز العنصری، حیث کانت ولا تزال نموذجا یقتدى به لکل مکافح من أجل التحرر والانعتاق.
لقد أتاح استرجاع استقلال الجزائر خوض معرکه إعاده البناء، وإذا کان یحق للجزائر أن تفتخر بمجد ثوره نوفمبر التی أبهرت العالم، فإن إنجازات الجزائر خلال سته عقود من الاستقلال لا سبیل إلى نکرانها وهی کذلک مکسب یحق للشعب الجزائری أن یفتخر بها. واستکمالا لمسیره ورغبه فی إعطاء انطلاقه جدیده للجزائر بما یتیح لشعبها العیش فی جزائر دیمقراطیه ومزدهره وفیه لقیم ثوره الفاتح من نوفمبر ۱۹۵۴، تمکنت الجزائر، منذ تولى السید عبد المجید تبون منصب رئاسه الجمهوریه الجزائریه الدیمقراطیه الشعبیه قبل سنتین، من تجدید المؤسسات الدستوریه ومباشره الإصلاحات وتحقیق العدید من الالتزامات التی تعهد بها الرئیس وأقام علیها برنامجا وأولویات لخدمه الشعب الجزائری.
وتتعلّق هذه “الالتزامات الـ۵۴ من أجل جمهوریه جدیده”، على سبیل المثال لا الحصر، بمراجعه واسعه للدستور، وإعاده صیاغه الإطار القانونی للانتخابات، ومحاربه الفساد والتّحایل، وأخلقه السیاسه والحیاه العامه، وإشاعه روح المبادره وتشجیع الاستثمار وخلق الثروه، وتعزیز الدیمقراطیه التشارکیه، وتکریس المواطنه والحس المدنی، والاعتزازِ بالهویّه والانتماء.
