مقالٌ صحفی صادر عن سفاره الجزائر بطهران «بمناسبه الذکرى الستین لعید الاستقلال والشباب۰۵ جویلیه ۱۹۶۲»
ذکـــــــرى وعِبـــــــر
تحیی الجزائر یوم الخامس جویلیه من کل سنه ذکرى “عید الاستقلال والشباب” المصادف لـ ۰۵ جویلیه ۱۹۶۲، وهو الیوم الذی یؤرخ لنیل الجزائر استقلالها من براثن الاستعمار الفرنسی الغاشم بعد ۱۳۲ سنه من الاحتلال والدمار الإنسانی، مارس خلالها المستعمر مختلف أشکال الإباده والقتل والتعذیب والتهجیر وإستغلال الثروات الطبیعیه للبلاد، وتخللتها عشرات الانتفاضات والثورات الشعبیه المتقطعه التی قام بها رجالات المقاومه الشعبیه على مدار فتره الاحتلال إلى أن قامت ثوره الأول من نوفمبر ۱۹۵۴ المظفره، التی دفع الجزائریون الثمن باهظاً فیها تمثل فی استشهاد ملیون ونصف الملیون شهید خلال أقلّ من ۸ سنوات، ولکنها توّجت بإرغام فرنسا على الاعتراف بجبهه التحریر الوطنی کممثل شرعی وحید للشعب الجزائری ووافقت فی آخر المطاف على الدخول معها فی مفاوضات أفضت إلى استقلال الجزائر واسترجاع سیادتها الوطنیه.
إنطلقت المفاوضات بین الطرف الفرنسی وممثلی جبهه التحریر الوطنی فی سنه ۱۹۶۰، واستمرت سنتین کاملتین حاولت فرنسا خلالها إملاء شروطها على الجزائریین إلا أن محاولاتها کلها باءت بالفشل نظرا لتمسک الطرف الجزائری بمواقفه الثابته إقتناعا منه أنه على حقّ. وفی نهایه المطاف تُوّجت هذه المفاوضات بالتوقیع على إتفاقیات إیفیان التی نصت على إجراء استفتاء للشعب الجزائری على تقریر المصیر، وحدّد تاریخ إجرائه یوم ۰۱ جویلیه ۱۹۶۲، واستجاب الشعب الجزائری بقوه لهذا الحدث التاریخی الهام، وکانت حصیله النتائج مخیبه لآمال الإداره الفرنسیه حیث صوت لفائده الاستقلال ۹۹٫۷۲ %، بینما صوّت بـ (لا) ۱۶٫۵۳۴ شخص.
وبناء علیه تم الإعلان عن إستقلال الجزائر فی الخامس من جویلیه ۱۹۶۲٫
وغداه الاستقلال وجدت الدوله الجزائریه نفسها فی مواجهه الکثیر من المشاکل العویصه والتحدیات المتعدده الناجمه عن آثار الحرب التحریریه وعن ۱۳۲ سنه من الاحتلال والتی شهدت إستشهاد حوالی ۱۰ ملایین شهید جزائری، حیث ورثت الجزائر، بلدا منهارا على جمیع المستویات السیاسیه والاقتصادیه والاجتماعیه، بلدا خالیا تماما من المنشآت القاعدیه والمرافق الاقتصادیه ودمار شامل فی البنیه التحتیه، وکان الثلاثی المخیف المتمثل فی الفقر والأمیه والبطاله ینتشر فی أکثر من ۸۵% من السکان، ناهیک عما خلفته الحرب من ضحایا ومعطوبین والمرحلین قسرا وغیاب شبه تام للإطارات الإداریه والمهنیه فی مختلف القطاعات وغیرها.
وبالرغم من هذه المشاکل والصعوبات المتعدده الأوجه، عملت السلطات الجزائریه کل ما فی وسعها من أجل رفع التحدی وبناء دوله قویه قادره علی الاستجابه لتطلعات المواطنین فی العیش فی أمن وکرامه، وذلک من خلال تطبیق سیاسه شامله فی شتـى مجالات الحیاه الاقتصادیه والاجتماعیه والثقافیه والتربویه، تقوم على أساس وضع العدید من مخططات وبرامج التنمیه الهادفه إلى استرجاع الثروات الطبیعیه والباطنیه من خلال تأمیم النفط والمحروقات، والتحکم فی الخیرات والمقدرات الاقتصادیه للبلاد وإعاده توزیعها بین أفراد المجتمع، وکذا محاربه الفقر والتخلف والأمیه والبطاله والرفع من مستوى معیشه غالبیه المواطنین. وقد ساهمت هذه البرامج بشکل فعال فی خلق بنیه تحتیه صلبه فی جمیع القطاعات وإنجاز عدد کبیر من المشاریع والإنجازات فی مختلف المجالات. نذکر منه على سبیل المثال:
- مجانیه التعلیم فی جمیع الأطوار من الابتدائی إلى الدکتوراه: حیث بلغ إجمالی عدد المدارس فی الجزائر بما فیها المؤسسات التربویه الإبتدائیه المتوسطه والثانویه أکثر من ۲۷ ألف مدرسه منها ۱۹۳۰۸ مدرسه ابتدائیه، و ۵۶۳۰ متوسطه، و ۲۴۸۸ مدرسه ثانویه. أما فی التعلیم العالی فیوجد ۵۴ جامعه، و۰۹ مراکز جامعیه، و ۳۷ مدرسه وطنیه علیا، و ۱۱ مدرسه علیا للأساتذه.
- مجانیه الصحه العمومیه: حیث یبلغ عدد الهیاکل الصحیه أزید من ۲۲۴ مستشفى عام و۱۵ مرکزا استشفائیا جامعیا و ۷۵ مؤسسه استشفائیه متخصصه و ۳۰ مؤسسه إستشفائیه متخصصه أمومه-طفوله
- الإسکان المجانی لصالح الفئات الهشّه، تمکنت الدوله الجزائریه بعد الاستقلال من بناء ملایین المساکن وشیدت مدنا حضریه جدیده، واستطاعت إسکان الملایین من السکان وذلک بفضل برامج السیاسه الاجتماعیه للسکن الموجهه للفئات الاجتماعیه الهشه والمتوسطه.
إن تاریخ “الخامس جویلیه” ۱۹۶۲، یسجل واحده من أجمل الصفحات من تاریخ الجزائر فی الکفاح من أجل نیل الاستقلال واسترجاع السیاده الوطنیه المسلوبه بعد ۱۳۲ سنه من الاحتلال، ویأتی الاحتفال بهذه الذکرى عرفانا وتکریما لمـا قدمه الشهداء من تضحیات جسیمه فی سبیل تحریر الوطن من براثن الاستعمار الفرنسی، وإرساء الروابط بین الأجیال، وتذکیر الشباب بتضحیات الأسلاف من أجل إستخلاص العبر والاقتداء بخطاهم وتذکیرهم أن الثمن الذی قدمته الجزائر من أجل الحصول على إستقلالها کان باهظاً جداً.
إن الجزائر الجدیده بقیاده الرئیس عبد المجید تبون، الذی یقود البلاد وفق برنامج تنموی طموح، یقوم على محاربه الفساد وأخلقه الحیاه العامه وإشاعه روح المبادره الاقتصادیه وتشجیع الاستثمار وخلق الثروه، وتکریس المواطنه والحس المدنی والاعتزاز بالهویه والانتماء وغیرها من الأهداف، کفیل بنقل الجزائر إلى مستویات علیا من التطور الاقتصادی والاجتماعی،بما یحقق العداله الاجتماعیه والعیش الکریم للشعب الجزائری.
